الألعاب الأولمبية
تهتم الكثير من دول العالم في المشاركة في ما يسمى بالألعاب الأولمبية حتى أصبحت بعض الدول تتخلى عن بعض عاداتها أو قوانينها للإنضمام إلى هذا المحفل، وإلا سيكون الحرمان هو نصيب من يعارض شروط هذه الألعاب. وفي حقيقة الأمر ينبغي أن نعرف هل تستحق هذه الألعاب الأولمبية كل هذا الاهتمام من جانب الدول الإسلامية وما قصة هذه الألعاب، أهي للتسلية والترفيه؟ أم هي للتقارب بين الشعوب؟ أم هي عبادة أو أصل لعبادة تم تجديدها في هذا الزمن في صورة جديدة هي الألعاب الأولمبية؟!
هذا البحث يوضح أصل الألعاب الأولمبية الحديثة وارتباطها بالطقوس الإغريقية الدينية القديمة حيث بدأت عبادة آلهة أوليمبس في القرن السادس قبل الميلاد في مدينة أوليمبيا في اليونان وذلك على إثر إنتصار الآلهة أوليمبيان الحديثة على الآلهة تايتان القديمة. وبعد ذلك هجرت هذه العبادة ببعث عيسى-عليه السلام- لأن دعوته إلى التوحيد انتشرت وحاربت الطقوس الوثنية القديمة. ثم دمر الله مدينة أوليمبيا بسلسلة من الزلازل والأعاصير (تسونامي) في القرن السادس الميلادي وهو القرن الذي بعث فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وبذلك توقفت هذه الطقوس لمدة 17 قرن من الزمن، إلى أن تم إحياؤها حديثا عندما سقط الحكم العثماني الإسلامي في اليونان.
إعادة إحياء الطقوس الدينية الإغريقية
بدأ الاهتمام بتجديد التقاليد والطقوس الإغريقية رغم توقفها 17 قرن من الزمن بعد حرب ما سمي بحرب تحرير واستقلال اليونان من الحكم العثماني عام 1821 ميلادي (القرن الثاني عشر هجريا). وكان حرب استقلال اليونان من الحكم العثماني والتي تسمى أيضا بالثورة اليونانية قد جرت بعون من بريطانيا وروسيا وفرنسا. وقد سُلّم حكم اليونان بعد سقوط الخلافة العثمانية للملك الألماني أوتو ملك اليونان وبافاريا (ألمانيا اليوم) والذي كان روماني كاثوليكي وعندها كانت اليونان ولاية تحت حكم الإمبراطورية الألمانية.
وأول من نادى لتجديد هذه الطقوس الوثنية هو شاعر يوناني من مواليد اسطنبول يدعى باناجيوتس سوتسوس وهو ذو هوى إغريقي عاشق للتقاليد والطقوس الدينية الإغريقية. وكان باناجيوتس محرر في صحيفة وقد كتب بعد 20 سنة من استقلال اليونان مقالا دعى فيها لإعادة إحياء الألعاب الأولمبية للنداء بالوحدة تحت غطاء التراث الإغريقي والذي لاقى قبولا ودعما ظهر بعد سنتين من مقاله. واقترح في صحيفته "هيليوس، والتي تعني الشمس المقدسة" أن يجعل 25 مارس وهو عيد اندلاع الثورة اليونانية يوم احتفال للذكرى السنوية تقام وتحيى فيها فعاليات طقوس الأولمبياد وذلك رمزا لإعادة إحياء التراث الإغريقي الغربي.
وبذلك يتضح أن إعادة تجديد التقليد الديني الإغريقي نشأ تعظيما لاستعادة اليونان من الإمبراطورية الإسلامية وبادرة لإحياء العالم الإغريقي الغربي.
جبل أوليمبس
يعتبر جبل أوليمبس مقر آلهة الإغريق وهو أعلى جبل في اليونان فيه قمة مايتيكاس وهي أعلى قمة في أوروبا كلها. يصور هذا الجبل في العبادات والأساطير الإغريقية كمقر سكن للآلهة الاثني عشر الذين يسمون آلهة الأولمبيان الاثني عشر ومنهم والدهم زيوس ووالدتهم حيرا- بحسب الخرافات الإغريقية. ويرجع أصل الرقم اثني عشر من عبادة الأبراج الفلكية الاثني عشر الذين كان سائدا في دين المنجمين والصابئة. وترجع عبادة آلهة أوليمبس إلى القرن السادس قبل الميلاد في اليونان حين استبدلوا في ذلك القرن بـ 12 آلهة التايتان الذين غُلبوا في الحروب. وكان من عادة القوم أن يستبدلوا آلهتهم إن لم ينفعوهم. وقد بني لعبادة آلهة أوليمبس معبدين رئيسيين لزيوس وحيرا بجانبه مذبح خاص لتقديم القربان في مدينة أوليمبيا بالقرب من جبل أوليمبس. وكان الإغريق يرسمون ويُصورون آلهتم وهم يلعبون بأنواع الرياضات من سباق وقفز ومصارعة، ومن هنا تظهر الجذور الدينية لهذه الرياضات مع الملاحظة أنها نفس الرياضات التي تمارس في يومنا هذا في الألعاب الأوليمبية مع بعض التوسع.
وكانت الألعاب سابقا تقام في مدينة أوليمبيا في المقر الأثري للمعابد تكريما للآلهة حيث تقدم فيها الذبائح قربانا لزيوس والد الآلهة والذي كان يذبح فيها مائة ثور خلال الطقوس. وأول ما بدأت الألعاب بسباق جري يقام سنويا لمجموعة من النساء المتنافسات على منصب الكاهنة في معبد حيرا، يتبعه سباق يحدد مساعِدتها التي تعينها في طقوس المعبد. ثم توسعت بعدها الألعاب وزيد عدد أيام الاحتفال من يوم إلى خمسة أيام، منها ثلاثة لإجراء المنافسات الرياضية ويومين مخصصين لاتمام الطقوس الدينية. وكانوا يقيمون في اليوم الأخير وليمة كبيرة للمشاركين والتي يذبح فيها 100 ثور. وكانت تشرع قوانين صارمة حول المشاركين حيث لايقبل غير الأحرار الذين يتكلمون اليونانية بالإضافة إلى كون المشاركين يتنافسون وهم في تعري تام من الثياب. وقد دمر الله مدينة أوليمبيا بسلسلة من الزلازل والأعاصير (تسونامي) على المنطقة في القرن السادس الميلادي الذي يوافق القرن الأول هجري.
وتعزى أحد أساطير إقامة الطقوس الأولمبية حسب ماورد من مؤرخ لهم أن الألعاب السابقة لها توقفت ثم جددت بإيعاز من نبي لهم-بزعمهم- يدعى "دلفي" والذي زعم أن الناس ضلوا بسبب تركههم آلهتهم مما سبب لهم الطاعون والحروب المدمرة، وأن استعادة الطقوس سينهي الطاعون ويعيد السلام. وهذه الأساطير توضح الجذور الدينية لهذه الألعاب وأن المنافسات الرياضية مترابطة مع عبادة الآلهة. وكان خلال موسم الألعاب تشرع هدنة بين الأمم المتحاربة ليتمكن الرياضيين من السفر من بلدانهم للوصول إلى مقر الألعاب والتي مع الزمن استخدمت كأداة سياسية لإبراز القدرة والسلطة بين المتنافسين. وكان السياسيون يعلنون ولائاتهم السياسية في مراسم الألعاب بينما يقوم الكهنة في زمن الحروب بتقديم القربان للآلهة لينصروهم. واستخدمت الألعاب لنشر الثقافة الهيلينية خلال دول البحر المتوسط والتي سادت في المنطقة بسبب استمرار الألعاب الأولمبية.
رموز الألعاب الأولمبية
مشعل الأولمبياد
يرمز مشعل الأولمبياد لذكرى سرقة ومضة من نار الإله الإغريقي زيوس وتقديمها إلى البشر من قبل شخصية أسطورية تدعى بروميثيوس والذي يعتبرونه خالق البشر من طين-بحسب الخرافات الإغريقية. ويتم إلى يومنا هذا إشعال مشعل أوليمبوس قبل بدء الأولمبياد بعدة أشهر في مدينة أوليمبيا الأثرية في اليونان في الموقع الذي وقف فيه يومه معبد حيرا أم الآلهة حسب زعمهم ثم يحمل لينقل على يد متطوعين إلى موقع الألعاب الأولمبية. ويشعل النار في مراسم وثنية تقوم خلالها 11 امرأة يمثلون الخادمات العذارى في معبد النار من أسطورة فيستا في طقوس تطابق الطقوس القديمة حيث يشعل بتركيز أشعة الشمس بمرايا في بوتقة لإشعاله والذي له أهمية دينية لكون الشمس هي المعبود الأصلي هناك. وكان للنار أهمية قدسية في طقوس أوليمبس ولذلك كان يبقى مشتعلا في المعابد وتشعل منصات إضافية خلال فترة الألعاب في معبدي زيوس وحيرا، وكذلك في يومنا هذا يبقى المشعل مشتعلا في فترة الألعاب الأولمبية الحديثة حتى تنتهي المنافسات محاكاة لما كان يحدث في السابق.
أما إشعال ونقل وتمرير المشعل من شخص أو محطة إلى أخرى من مقر أوليمبيا الأثري إلى مقر الألعاب الجديد فكان أول ما حدث ذلك في عام 1939 ميلادي على يد النازيين الألمان في زمن حكم هتلر وذلك حين اختيار برلين في تلك السنة لإقامة الألعاب الأولمبية. وكان هتلر يرى الربط بالتقاليد الإغريقية أفضل طريقة ليعبر عن إيمانه أن التقاليد الإغريقية العتيقة هي أساس للعرق الآري وامتداده في الحكم الألماني المعاصر.
غصن الزيتونة
كان يُلبس الفائزون في الألعاب القديمة إكليل من ورق الغار دائمة الخضرة وهو تقليد باق إلى يومنا. وهو إكليل دائري مصنوع من أغصان وأوراق شجرة الزيتون البرية مأخوذ من تصور للإله الإغريقي أبولو (إله الشمس أو الضوء أو الشفاء أو الطاعون أو الموسيقى والشعر) الذي يُصور بأنه يلبس هذا الإكليل على رأسه. وكان هذا الإكليل يلبس في التراث الروماني ليرمز إلى النصر الحربي حيث كان يتوج به القائد المنتصر ميدانيا.
كما يهدى الفائزون بالألعاب الأولمبية غصن زيتون والذي كان يرمز إلى معاني كثيرة في التراث الإغريقي أهمها كونه يصرف ويبعد الأرواح الشريرة كما يرمز إلى السلام والنصر. ويعتبر هذا الرمز المقتبس من التراث الإغريقي السائد في الغرب ولكنه متأصل أيضا في تراث جميع أمم دول البحر المتوسط. مثال ذلك وجوده كرمز ديني في العقيدة النصرانية حيث يقرن مع حمامة والتي ترمز إلى روح القدس كما جاء وصفه في الإنجيل وكان أوائل النصارى يصورون الحمامة وهي تحمل غصن الزيتون في منقارها. كما يقرن الرمز مع قصة الطائر/الحمامة التي التي عادت لنوح عليه السلام بغصن الزيتون لتبشر بقرب البر وإنتهاء الفيضان. ويرمز غصن الزيتون للسلام الأبدي عند النصارى وأول ما استخدم حديثا كان من قبل بريطانيا وأمريكا في القرن الثامن عشر الميلادي (الثاني عشر هجريا).